كود ذكر المصدر

الراديو

...

كود مشاركة المواضيع في الفيس وتويتر

اخر الاخبار

اترك رسالتك

تحديث

.

.

.

.

أثر الشريعة الإسلامية على أحكام القضاء في مصر



أثر الشريعة الإسلامية على أحكام القضاء في مصر


المستشار / محمد الصعيدي 
سفير التنمية القانونية بالليديك
رئيس نادي قضاة التحكيم الدولي 
محاضر القانون الجنائي والتحكيم الدولي بالجامعات والاكاديميات العربية  

لم يكن ممكناً ألا يكون لأحكام وقواعد الشريعة الإسلامية تأثير على أحكام القضاء في مصر بعد أن نص دستور سنة 1971 في مادته الثانية على أن : ( الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) ومن قبله كان دستور سنة 1923 في المادة 149 التي تنص على أن : ( الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغة رسمية ) ، ومن قبل كل ذلك كان القانون المدني المصري بالقانون رقم 131 لسنة 1948 ينص في المادة الأولى منه على أنه : ( إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه ، حكم القاضي بمقتضى العرف ، فإذا لم يجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية ، فإذا لم توجد ، فبمقتضى مبادئ القانوني الطبيعي ) ، وبذلك أصبحت الشريعة الإسلامية منذ العمل بأحكام هذا القانون المصدر الثالث الذي يستند إليه القاضي في حكمه ، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الغالبية العظمى من شعب مصر مسلمة وهو شعب بطبيعته متدين يرتضي قواعد الشريعة الإسلامية للحكم فيما ينشب بين أفراده من منازعات بل وقد يفضل ذلك على أي قانون وضعي ، والبقية الباقية من شعب مصر أقباط يدينون بالمسيحية السمحة ويجيدون اللغة العربية ولا تعرف غالبيتهم التعصب الذي تعرفه بعض شعوب العالم بل إن بعضهم يحفظ القرآن وبعض الأحاديث الشريفة ويستشهد بها في أحاديه وكتاباته والبعض يبحث في أحكام الشريعة الإسلامية ويتعمق ويقدم فيها برسالة دكتوراة ومنهم أستاذنا الدكتور / شفيق شحاته أحد أبرز رجال القانون الخاص في مصر والذي تقدم برسالة عن النظرية العامة للالتزامات في الشريعة الإسلامية وكان أحد المشرفين عليه هو العلامة الشيخ / أحمد إبراهيم .
ولم يكن ممكناً في هذا الجو العلمي السائد في مصر يحث جموع شعبه مسلمين وأقباط ألا تتأثر أحكم القضاء بقواعد الشريعة الإسلامية سواء منها القواعد الموضوعية أو الإجرائية على اختلاف أنواع القضايا التي تنظرها المحاكم وخاصة وأن بعض القوانين التي تطبقها هذه المحاكم قد تأثرت بهذه القواعد على اختلاف أنواعها مدنية وجنائية وأحوال شخصية ، فكان التأثير على الثالثة أشد فهي تستمد جميع قواعدها من الشريعة الإسلامية بحسبان أن الأمور التي تحكمها تتعلق بالأسرة وتكوينها وأمر هذا شأنه لا يمكن أن تحكمه إلا القواعد التي تنظم شعائر المسلمين أما النوعان الأول والثاني من القوانين وهي المدنية والجنائية فإن التأثير على الأول كان أشد من الثانية حيث استمدت القوانين المدنية بعض نصوصها وأحكامها من قواعد الشريعة الإسلامية مثل أحكام الشفعة والتعسف في استعمال الحق ، وأحكام الحكر والمريض مرض الموت ، أما في القانون الجنائي فإن تأثير الشريعة الإسلامية فيه أقل ، وفي القوانين التي تستمد أحكامها أو بعضها من الشريعة الإسلامية كان لابد للرجوع لهذه الأحكام سواء الموضوعية أو المتعلقة بالإثبات حتى غير التي تم تقنينها باعتبار أن هذه القواعد والأحكام هي المصدر التاريخي لها ولابد من الاستعانة به في تفسير هذه النصوص ومعرفة حكمها ومقاصدها والغاية منها وصولاً إلى وجه الحق فيما يعرض على القضاء من نزاع .
لما كان كل ذلك وكان يلزم لبيان مدى تأثير قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها على أحكام القضاء في مصر استعراض القضايا التي تأثرت فيها أحكام القضاء بهذه القواعد بالقدر الذي يسعف به الوقت ويحقق الغرض من هذا البحث مع وضع ترتيب لهذه القواعد حسب نوعها ومدى التأثير فيها ، وسنبدأ إن شاء الله بقواعد الإثبات باعتبارها تسبق القواعد الموضوعية في العمل وفي الحكم ، إذ لابد أولاً من ثبوت الواقعة محل النزاع قبل إنزال حكم القواعد الموضوعية عليها أما بالنسبة للقواعد الموضوعية فسنقوم بترتيبها حسب نوعها مدنية ، جنائية وأحوال شخصية ، ولما كانت الثالثة تستمد جميع قواعدها وأحكامها من الشريعة الإسلامية وبالتالي فإن التأثير عليها أشد بل هي تستوعبها من أولوها إلى أخرها ولذلك فإن الحديث عنها سيكون في أضيق الحدود أما القواعد من المدني والجنائي فهي النوعان اللذان سنحاول إلقاء الضوء على مدى تأثر أحكام القضاء فيهما بأحكام الشريعة الإسلامية .
لم نتمكن من العثور على أحكام كثيرة للقضاء المصري في المسائل الجنائية تبين أثر قواعد وأحكام الشرعية الإسلامية على هذا النوع من القضاء ومرجع ذلك أن جميع مواد القانون الجنائي وإجراءاته مستمدة من القوانين الغربية ولذلك فإن استدلال هذا النوع من القضاء بقواعد وأحكام الشريعة قليل ، كما أنه توجد القواعد المشتركة بين الفقة الغربي والشريعة الإسلامية والتي لا تختلف عليها شريعة تريد تحقيق العدل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه ومن الأمثلة على ذلك ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والضرورات تبيح المحظورات ، ولا ينسب لساكت قول ، و يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبراً ) .
فهذا أو غير من القواعد ذا ت الأصل الإسلامي أو الذي تشترك فيه الشريعة الإسلامية مع غيرها من الشرائع مما لا تختلف عليه شريعة من الشرائع ما يستدل به القضاء المصر أو يطبق أحكامه . ونسوق هنا بعض الأمثلة لما أخذت به أحكام القضاء الجنائي المصري من قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية :
1-قررت المحكمة أنه لابد من الجزم واليقين في تقرير ثبوت التهمة ، آخذاً بقاعدة الأصل في الإنسان البراءة وقاعدة ما ثبت باليقين لا يزول بالشك وهما قاعدتان من قواعد الشريعة الإسلامية في الفقة الجنائي ، على سبيل المثال الأحكام في الطعون أرقام 878 / 16 ق جلسة 15 / 4 / 1946 ، 422 / 20 ق جلسة 16 / 10 / 1950 ، ورقم 1545 /27 ق جلسة 17 / 3 / 1958 ) .
2-وقد استقر قضاء محكمة النقض على أنه لابد من استنتاج النتائج من وقائعها من الاعتماد على القاعدة الحكمية : قاعدة درء الحدود بالشبهات ( نقض 11 / 12 / 1930 مجموعة عمر للقواعد القانونية ج 2 رقم 129 ص 155 ) .
3-وجرى قضاء محكمة النقض على أن سكون المتهم لا يصلح أن يتخذ قرينة على ثبوت التهمة ضده ( نقض جلسة 18/3/1973 طعن رقم 60 / 23 ق ) وهذا تطبيق لقاعدة الفقه الإسلامي التي تقرر أنه لا ينسب لساكت قول .
هذا بالنسبة للقضاء الجنائي أما بالنسبة إلى القضاء المدني فإن تأثير قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية فهو أظهر وأكثر ويتجلى ذلك في قواعد الإثبات والقواعد الموضوعية وإذا كنا نتحدث عن القضاء المدني فإننا لا نعني بذلك القضايا المدنية المحصنة بل يدخل في ذلك جميع فروع القضاء المدني ومنها القضاء التجاري لأن هذه تطبق قواعد مشتركة بينها وإن تميز القضاء التجاري بقواعد خاصة به خاصة في الإثبات مقصود بها تسهيل التعامل ومراعاة ظروفه والتيسير فيه .
وسنبين أولاً بعض قواعد الإثبات في الشريعة الإسلامية ثم نورد تطبيقاتها القضائية .
ففي الإثبات مثلاً يقول المرحوم الأستاذ / عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي في الإسلام ( فرضت الشرعية الإسلامية الكتابة وسيلة لإثبات الدين المؤجل سواء كبرت فيه الدين أو صغرت وذلك في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } وقوله : {.. وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ.. }البقرة282 ويدخل تحت لفظ الدين كل التزام أياً كان نوعه ، لأن الالتزام ليس إلا ديّناً في ذمة الملتزم للملتزم له ، فيدخل تحت لفظ الديّن ( القرض والرهن والبيع بثمن مؤجل والتعهد بعمل ، وغير ذلك ... ) .
وفي القانون التجاري حيث تتميز المعاملات بالسرعة والسهولة واليسر استثنت الشريعة من مبدأ الكتابة الدّين التجاري وأباحت إثباته بغير الكتابة من طرق الإثبات الأخرى ، وذلك في قوله تعالى : {.. إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا ..}البقرة282 والعلة في استثناء الديون التجارية من شرط الكتابة أن الصفقات التجارية تقتضي السرعة ولا تحتمل الانتظار واشتراط الكتابة فيها يؤدي إلى الحرج .
ومن المبادئ التي أرستها الشريعة مبدأ حماية الطرف الضعيف في العقد فأعطته الحق في أن يملي هو العقد في قوله تعالى : {.. وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ..}البقرة 282 وهذا المبدأ هو ما تحاول الحكومات الحديثة أن تفعله لحماية الطرف الضعيف في العقد بالتدخل في بعض بنوده بالنسبة لعقود العمل الفردية وما يعرف في الفقه بعقود الإذعان .
مبدأ آخر أقرته الشريعة الإسلامية ووضعت أساسه لحماية الصغار وذوي الاحتياجات الخاصة وذلك في قوله تعالى : {.. فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ..}البقرة282، وهذا هو مبدأ الولاية والوصاية على القصر والقوامة على الضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة وهو المبدأ المعمول به في مصر في قوانين الولاية على المال .
كل هذه المبادئ التي أقرتها الشريعة الإسلامية وجدت صداها في القوانين المصرية ووجدت طريقها إلى التطبيق في أحكام القضاء إلى جوار بعض الأحكام والقواعد الموضوعية التي شملتها القوانين المدنية والتجارية والأحوال الشخصية نفس ومال وسنتولى فيما يلي ضرب أمثلة لأحكام القضاء المصري في هذا الأمر .
1) تقول محكمة النقض ( الشهادة ذات حجية متعدية لأن ما يثبت بها لأحد الخصوم يعد ثابتاً بالنسبة للخصم الآخر وذلك اعتباراً بأن من صدرت منه الشهادة شخص عدل لا يقصد بها تحقيق مصلحة لأحد أو إضراره ولهذا الأثر للشهادة واعتبارات العدالة فإنه يجب ألا يقوم بالشاهد مانع من موانعها من شأنه أن يدع للميل بشهادته لخصم على آخر سبيل ومن هذا القبيل أن تكون بين الشاهد ومن يشهد عليه خصومة فقد ورد في الحديث الشريف ( لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي إحقة ) وإذا خلت مواد قانون الإثبات المنظمة لشهادة الشهود من نص يعالج أثر وجود خصومه بين الشاهد والمشهود عليه فليس أمام القاضي من سبيل إلا أن يلتجئ إلى مبادئ الشريعة الإسلامية التي تقضي بأن قيام هذه الخصومة يعد مانعاً للشهادة باعتبار مبادئ الشريعة التي تقضي بأن قيام هذه الخصومة يعد مانعاً للشهادة باعتبار هذه المبادئ المصدر الرئيسي للتشريع بنص المادة الثانية من الدستور والمرجع الأصيل للقضاء عند غياب النص وعدم وجود العرف طبقاً لما نصت عليه المادة الأولى من القانون المدني ويتبين من ذلك أنه إذا ما طعن على أقوال الشاهد بوجود خصومة بينهما مانعة من الإدلاء بأقواله دون ميل وأقام الدليل على ذلك تعين على المحكمة أن تمحص دفاعه وتحققه قبل أن تحكم في النزاع فإن هي لم تفعل واستندت إلى أقوال هذا الشاهد رغم الطعن بفسادها وقع الحكم باطلاً ) .
( نقض مدني جلسة 14 / 11 / 1993 السنة 44 جزء ثالث ص 200 )
2) الأصل براءة الذمة وإن شغلها عارض ويقع عبء الإثبات على عاتق من يدعي ما يخالف الثابت أصلاً مدعياً كان أو مدعي عليه ( نقض جلسة 24 /1/1967 السنة 18 جزء أول ص 190 ، ونقض جلسة 19/6/1973 السنة 24 ص 940 ، نقض جلسة 16 /5 /1993 ، نقض رقم 6485 /62 ق ، نقض جلسة 25/6/1998 طعن رقم 1798 /62 ق ) والأحكام عديدة في هذا الشأن وقد اكتفينا بما أوردناه كمثال على ذلك .
3) الأصل هو بقاء الشيء على حاله وعلى من يدعي خلاف الأصل أن يثبت مدعاه ( نقض مدني جلسة 27/2/1981 ، الطعن رقم 378/50 ق ) وهو تطبيق لقاعدة شرعية هي القديم على قدمه .
4) من أصول الإثبات أن سكوت المدعي عليه عن النفي لا يصلح للحكم للمدعي بطلباته متى كان الأخير لم يثبت ما يدعيه ( نقض جلسة 28/2/1989 الطعن رقم 2029 /56 ق ) وهذا تطبيق للقاعدة الشرعية ( لا ينسب لساكت قول ) لكن السكوت في معرض الحاجة بيان .
5) البيّـنة على من أدعي ( نقض 25/12/1947 نقض رقم 110 / 16 ق وهذا جزء من حديث شريف : ( البينة على من أدعي واليمين على من أنكر ) .
6) إن المعول عليه في القضاء المصري الأخذ بنظرية الشريعة الإسلامية من اعتبار شخصية الوارث مغايرة لشخصية المورث وعلى ذلك فلا يمكن تطبيق نظرية التفاضل بين البيع يحصل من المورث والبيع الذي يحصل من الوارث لصدور البيعين من شخصين مختلفين ( نقض مدني جلسة 3 / 12 / 1931 الطعن رقم 12 / 1 ق مجموعة عمر ص 24 )
7) لا تركة إلا بعد سداد الديون ( نقض مدني جلسة 7 / 12 / 1944 طعن رقم 100 / 13 ق ، السنة 30 ص 707 ، السنة 39 ص 55 ) .
8) يجوز التعليق على شرط في بعض أنواع التعهدات قياساً على القاعدة المقررة في شأن القسامة في الفقه الإسلامي ووصفت الذي لا يعتبر هذا التعهد ملزماً بأنه مخالف للقانون ، والقانون هنا هو ما قرره الفقه الإسلامي ( نقض مدني جلسة 8/5/1944 طعن رقم 47 / 11 ق مجموعة عمر س 4 ص 372 ) .
9) صفة الوكيل عن الخصم لا تعدوا أن تكون من قبيل الصفات العارضة والتي إذا ما فصل فيها حكم فلا يجوز هذا الحكم حجية في دعوى أخرى تثار فيها هذه الصفة مرة أخرى ( الطعن رقم 326 / 33 إداري جلسة 6/5/1987 مجموعة المكتب الفني س 32 ص 1255 ) وهذا الحكم هو تطبيق للقاعدة الشرعية الأصل في الصفات العارضة العدم .
10) عدم قبول شهادة الشريك في الملكية – لأن شهادة الشاهد الشريك في الملكية تنزل منزلة شهادة الخصم الذي يباشر الدعوى من حيث جواز قبولها أو ردها في حدود دعوى الإخلاء التي يرفعها الشريك الأخر فلا يجوز قبولها كدليل على خصمها وهو ما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية التي لا تقبل شهادة الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما لأنه يكون شاهداً لنفسه . ( نقض مدني جلسة 26 / 3 / 1990 السنة 41 جزء أول ص 887 )
11) الضرورة تقدر بقدرها .( الطعن رقم 444 / 7 ق إداري جلسة 26 / 3 / 1966 المكتب الفني س 11 ص 565 )
مدى التزام أحكام القضاء في مصر بأحكام وقواعد الشريعة الإسلامية في التفسير :-
المستعرض لأحكام القضاء المصري يجد أن محكمة النقض قد التزمت في تفسير النصوص قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية المقررة في أصول الفقه في تفسير نصوص القانون الذي تعمل على تطبيقه على الدعاوى المنظورة أمامها وسنسوق بعض الأمثلة على ذلك :
1- صرف ألفاظ النص إلى معناها الاصطلاحي دون اللغوي ، تقول محكمة النقض ( تعتبر نصوص قانون التأمينات الاجتماعية الصادرة بالقوانين 92 / 1959 ، 63 / 1964 قد خلت مما يشعر بتحول المشرع عن مدلول ذلك المصطلح فإنه يتعين التزام هذا المعنى في تفسير نص المادة الثانية من القانونين الأخيرين ، لأن الأصل في قواعد التفسير أن المشرع إذا أورد مصطلحاً معيناً في نص ما لمعنى ميعن وجب صرفه لهذا المعنى في كل نص أخر يرد فيه ( نقض مدني جلسة 19/5/1959 السنة 10 ص 710 ) نقض مدني جلسة 22 / 6 / 1974 س 25 ص 1095 ) .
2- تعارض النص الخاص مع النص العام ، تقول محكمة النقض : ( وجود قانون خاص لا يجوز الرجوع إلى قانون عام إلا فيما فات القانون الخاص ) وتقول كذلك من المقرر قانوناً أنه مع قيام قانون خاصة لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من الأحكام ، ولا يحوز إهدار القانون الخاص لإعمال القانون العام ، فإن ذلك فيه منافاة صريحة للغرض الذي من أجله وضع القانون الخاص ( نقض مدني جلسة 11 / 6 / 1942 س 3 ص 879 ) .
3- حمل النص الواضح على ظاهره تقول محكمة النقض : ( إذا كانت عبارة النص واضحة المعنى فلا يجوز الانحراف عنها أو البحث عن حكمة التشريع ودواعيه أو التحدي بالأعمال التحضيرية ، أو عنوان القانون ، ونقول أيضاً : ( من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه متى كانت نصوص القانون واضحة جلية فإن البحث عن حكمة التشريع ودواعيه لا يكون لها محل ) وتؤكد المحكمة على أنه ( متى كان النص واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه ، فإنه لا يجوز الخروج عليه أو تأويله بدعوى الاستهداء الحكمة التي أملته ، لأن البحث في حكمة التشريع ودواعيه إنما يكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه مما يكون معه القاضي مضطراً في سبيل تعرف الحكم الصحيح إلى تقصي الغرض الذي رمي إليه والقصد الذي أملاه ذلك أن الأحكام القانونية تدور مع علتها لا مع حكمتها ، ومن ثم فلا يجوز إهدار العلة والأخذ بالحكمة عند وجود نص سليم . ( نقض مدني جلسة 22 / 6 / 1974 السنة 25 ص 1095 ، نقض مدني 19 / 2 / 1968 س 19 ص 233 ، جلسة 19 / 12 / 1967 س 18 ص 1686 ، جلسة 22 / 4 / 1973 س 24 ص 531 ) .
4- الأحكام القانونية تدور مع علتها لا مع حكمها ومن ثم لا يجوز إهدار العلة وهي الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحكم للأخذ بحكمة النص وهو ما شرع الحكم لأجله من مصلحة أريد تحقيقها أو بمفسدة أريد دفعها ، وانه متى كان النص عاماً مطلقاً ، فلا محل لتخصيصه أو تقييده باستهداء الحكمة منه إذ في ذلك استحداث لحكم مغاير ( طعن جنائي جلسة 12 / 2 / 1961 س 12 ص 196 ، 14 / 11 / 1960 س 11 ص 782 )
5- التدرج التشريعي فقد قررت محكمة النقض بأنه لا يصلح الاعتداد بالتعليمات في مقام تطبيق القانون .
6- الأخذ بمفهوم الموافقة فقد قررت المحكمة ( أنه إذا كانت المادة 46 من القانون ذاته تجيز تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً ، ومن ثم فإنه إذا أجاز القانون القبض على شخص جاز تفتيشه ، وإن لم يجز القبض عليه لم يجز تفتيشه وبطل ما أسفر عنه القبض والتفتيش الباطلين ( نقض جنائي جلسة 17 / 1 / 2000 الطعن رقم 2376 / 76 ق ) .
7- الأخذ بمفهوم المخالفة ، تقول محكمة النقض ( المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المادة الخامسة مكرر من القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن والمضافة بالقانون رقم 55 لسنة 1958 إذ نصت على أنه ... لا يسري التخفيض المشار إليه فيما تقدم بالنسبة إلى ما يأتي أولاً : المباني التي يبدأ في إنشائها مع العمل بأحكام هذا القانون فقد دلت بمفهوم المخالفة على أنه مقصود الشارع منها أن يدخل في نطاق تطبيقها المباني التي بدئ في إنشائها قبل 12 / 6 / 1958 تاريخ العمل به ، سواء أعدت للسكنى قبل أو بعد هذا التاريخ . ( الطعن رقم 374 / 46 ق جلسة 7/2/1979 )
8- من أساليب التفسير الأخذ بدلالة الإشارة في النص وهي التي لم يقصدها الشارع منه ولكن أمر ملازم له لا ينفك عنه ، وهي نوعان مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة ، وفي ذلك تقول محكمة النقض ( دلالة الإشارة باستقرار أساليب اللغة العربية وما قرره علماؤها ، هي دلالة النص عن معنى لازم لما يفهم من عبارته غير مقصود من سياقه ، ويحتاج فهمه إلى فضل تأمل أو أناه حسب ظهور وجه التلازم وخفائه ، والمعروف أن المعنى المتبادر من إشارة النص على هذا النحو من الدلالات المقيدة في فهم النصوص ، لأن دلالة النص ليست قاصرة على ما يفهم من عبارته وحروفه ، وهو ما يعبر عنه رجال القانون بالنص الصريح بل هو قد يدل أيضاً على معاني تفهم من إشارته ، ومن اقتضائه ، وكل ما يفهم منه من المعاني بأي طريق من هذه الطرق يكون من مدلولات النص ، ويكون النص دليلاً وحجة عليه ، ويجب العمل به ، وإذا لم يفطن الحكم المطعون فيه إلى هذا المفهوم من هذا التعديل الحاصل للمادتين 65 ، 103 من قانون المرافعات المشار إليه ووقف عند دلالة نص المادة 103 وحده ... دون أن يمعن التأمل في المعنى اللازم المتبادر من هذا اللفظ مع دلالة نص المادة 65 حسبما سلف إيضاحه .. وليس في المعنى المتبادر من عبارة أي منهما ما يتصادم أو يتنافر مع ما يؤخذ منها بطريق الإشارة ... فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ( الطعن رقم 4685 / 67 ق مدني جلسة 18 / 5 /2000 ) كما قررت المحكمة في حكم آخر ( المقرر وفقاً للمادة من القانون المدني أن النصوص التشريعية إنما تسري على جميع المسائل التي تتناولها في لفظها أو في فحواها ، وإن فحوى اللفظ يشمل إشارته ومفهومه وإنقضاءه ، والمراد بمفهوم النص هو دلالته على شيء لم يذكر في عبارته وإنما يفهم من روحه ، فإذا كان النص تدل عبارته على حكم في واقعة اقتضت هذا الحكم ، ووجدت واقعة أخرى مساوية لها في علة الحكم أو أولى منها ، بحيث يمكن تفهم هذه المساواة أو الأولوية بمجرد فهم اللغة من غير حاجة إلى اجتهاد أو رأي فإن مؤدى ذلك فهم أن النص يتناول الواقعتين ، وأن حكمه يثبت لهما لتوافقهما في العلة سواء كان مساوياً أو أولى ويسمى المفهوم من باب أولى أو مفهوم الموافقة ( الطعن رقم 5051 / 63 ق جلسة 31/1/2001 ) .
هذا بعض ما أمكن الوصول إليه من أحكام للقضاء تعمل فيها قواعد ومصطلحات الفقه الإسلامي وخاصة قواعد أصول الفقه وكان يمكن الوصول إلى أكثر من ذلك لو أن الوقت المتاح للبحث أطول .