كود ذكر المصدر

الراديو

...

كود مشاركة المواضيع في الفيس وتويتر

اخر الاخبار

اترك رسالتك

تحديث

.

.

.

.

حصانات الحكام في ميزان القانون الدولي ـ للمستشار الدكتور/ ناجي سابق

حصانات الحكام في ميزان القانون الدولي


للمستشار الدكتور / ناجي سابق 

  خبير في القانون الدولي الجنائي ـ بيروت



       يتمتع الحاكم، سواء كان رئيس دولة أم رئيس وزراء، بحصانات مزدوجة في داخل دولته، فهو يتمتع بحصانات دستورية مصدرها القانون الداخلي، كما يتمتع بحصانات وامتيازات دولية مصدرها قواعد القانون الدولي العام.
       لقد تضمنت الدساتير والقوانين الأساسية للدول تحديد الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها الحاكم وهو في داخل دولته، لتجعله بمنأى عن الخضوع للقوانين الجزائية والمدنية الداخلية. إن له حصانة شخصية تمنع من المساس بشخصه، وبالتالي  فلا يجوز القبض عليه أو تفتيشه أو محاكمته أو التعرض لذاته في وسائل الإعلام، فهو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، كما ورد في (المادة 49) من الدستور اللبناني.
       وتنص (المادة 60) من الدستور اللبناني على "أنه لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حالة الخيانة العظمى"([1]).
       ويتمتع الحاكم، سواء كان رئيس دولة أم رئيس وزراء، بحصانة قضائية جنائية تمنع من محاكمته عن أي جريمة يرتكبها داخل دولته، سواء كانت جناية أم جنحة أم مخالفة، وبالتالي لا يجوز إخضاعه للقبض أو التفتيش أو المحاكمة عن أي جريمة يرتكبها داخل دولته.
       ولكن قد يتعرض الدستور لمحاكمة رئيس الدولة إذا ما ارتكب نوعاً معيناً من الجرائم، كجريمة الخيانة العظمى، وذلك بعد اتباع إجراءات معينة، كأن تتم المحاكمة عن طريق البرلمان أو بواسطته. وتعد عموماً حصانات الحكام داخل دولهم وعلاقاتهم بالسلطات الداخلية للدولة أمراً داخلياً لا يهتم به القانون الدولي، إلا إذا كانت جرائم الحكام داخل دولهم تشكل جريمة دولية، كجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي.
إن القانون الدولي هنا يتعقبها لأنها تشكل مخالفة لأحكامه حتى ولو كان المجني عليه من رعايا دولة الحاكم المتهم بارتكاب هذه الجرائم.
       وقد حدد دستور كل دولة حصانات وامتيازات الحكام في علاقتهم مع الدول الأخرى. وهذا يدخل في دائرة اهتمام القانون الدولي الذي يكفل لهم مركزاً خاصاً على صعيد العلاقات الدولية.
       ولذلك يجب أن يظل شخص الحاكم محل احترام، فلا يتعرض للسخرية، ولا يوجه إلى أفعاله أي نقد أو طعن مباشر من جانب رؤساء الدول الأخرى أو من جانب أي شخص آخر أو حتى من وسائل الإعلام. لهذا تتضمن غالبية القوانين الجنائية في دول العالم نصوصاً لهذا الغرض، سواء كان الرئيس ما زال داخل دولته، أو يقوم بزيارة دولة أخرى.
       ولكن ما هي الحصانة الشخصية للحاكم؟ والحصانة القضائية؟ وما هو معيار التفرقة بين الأعمال الرسمية والأعمال الخاصة للحاكم؟ ما الفرق بين رؤساء الدول ورؤساء الوزارة من حيث الحصانات؟ وهل بالإمكان حرمان الحاكم من الحصانات؟ وعليه سنشرح ذلك في خمسة مطالب متتالية:
المطلب الأول: الحصانة الشخصية للحاكم
       الحصانة نظام دولي تقليدي يتم من خلاله تحصين أشخاص معينين- رؤساء الدول، ورؤساء الحكومات، ووزراء الخارجية، ورجال السلك الدبلوماسي- من المقاضاة أمام المحاكم الأجنبية([2]). فالحصانة الشخصية للحاكم تعني عدم جواز التعرض لشخصه أو محل إقامته أو مواكبه أثناء وجوده في الخارج، فلا يجوز القبض عليه أو حجزه لأي سبب، أو القيام بتحديد إقامته، أي فرض الإقامة الجبرية عليه دون حق المغادرة([3])، كما لا يجوز توقيفه أو تفتيشه أو تفتيش أمتعته أو سيارته أو السيارات المرافقة له. وتلتزم الدولة الأجنبية بأن تكفل حرية التنقل له ولمواكبه، واتخاذ كل الاحتياطات والإجراءات الأمنية التي تضمن عدم تعرضه لأي اعتداء، فأي تقصير في اتخاذ الإجراءات اللازمة أو فشل الإجراءات في حماية الحكام الأجانب الموجودين على إقليمها يعرضها للمسؤولية الدولية، علماً أنه ليس هناك اتفاقية دولية تنظم موضوع الحصانة من المسؤولية، ولكن هناك عرفاً دولياً يمنح الرؤساء هذه الحصانة. وقد توسع الأمر ليشمل مسؤولين آخرين احتراماً لسيادة الدولة وقواعد المجاملة والمعاملة بالمثل، وتطبيقاً لهذا النهج رفضت محكمة العدل الدولية رفع الحصانة عن وزير الخارجية الكنغولي (يروديا ندومباسي) في القضية المرفوعة في الكونغو ضد بلجيكا بتاريخ 14/2/2002 بعدما أصدرت المحكمة البلجيكية مذكرة توقيف بحقه في 11/4/2000 لارتكابه جرائم تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني([4]).
وعلى الدول أن تنص في تشريعاتها الداخلية على عقوبات صارمة وشديدة توقع على كل من يسيء إلى رئيس دولة، عن طريق وسائل الإعلام، أو من يحاول الاعتداء عليه واغتياله، ويجب توفير الحراسة الكافية لشخص الرئيس منذ وصوله وحتى مغادرته، كما يجب توفير الحماية لأمواله وأمتعته ومراسلاته ومسكنه الذي لا يجوز دخوله إلا بإذن أو لحالة الضرورة كنشوب حريق أو غيره. ولا يجوز التجسس على أعماله ومسكنه لأن أي عمل من هذا القبيل يعد انتهاكاً للقانون الدولي ويحرك المسؤولية الدولية تجاه الدولة المضيفة. ومبرر ذلك أن الحصانة الشخصية للحاكم لا يتمتع بها الحاكم على سبيل المجاملة، وإنما هي نتيجة قانونية لما يتمتع به من السلطان الذي يقضي بعدم خضوعه سلطان دولة أجنبية يكون موجوداً على إقليمها([5])، مع العلم بأن التشريعات الجزائية الوطنية في مختلف الدول درجت على إخضاع جميع الأشخاص الموجودين فوق أقاليمها إلى أحكام قانون العقوبات لتلك الدول ولاختصاصها القضائي، سواء أكان هؤلاء مواطنين يحملون جنسيتها أم مقيمين، وذلك تطبيقاً لمبدأ الإقليمية([6]).
المطلب الثاني: الحصانة القضائية للحاكم([7])
       إنها تتمثل في عدم خضوع الحاكم للقانون والقضاء الإقليمي لدولة أجنبية بشأن التصرفات التي يقوم بها أثناء وجوده في الخارج، فلا يجوز لتلك الدولة أن تحاسبه عن تصرفاته داخل دولته أو خارجها. وهنا يجب أن نفرق بين حصانته القضائية أمام المحاكم الجزائية وحصانته القضائية أمام المحاكم المدنية.
أولاً: الحصانة من الخضوع للقانون والقضاء الجنائيين
يتمتع الحاكم بحصانة جنائية تجعله بمنأى عن الخضوع للقوانين والمحاكم الجنائية الأجنبية. وهذا ما أكده مجمع القانون الدولي في قراره في 26/آب/2001 وأكدته المادة 29 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية([8]). فإذا ارتكب رئيس دولة أجنبية جرائم توصف بالجنايات أو الجنح أو المخالفات، فلا يمكن أن يخضع لقانون العقوبات للدولة التي يزورها، وبالتالي لا يجوز القبض عليه، أو استجوابه، أو تفتيشه، أو تفتيش مسكنه، أو رفع دعوى جنائية ضده، بطلب من النيابة العامة أو من غيرها. ولا يجوز محاكمته جنائياً عن جرائم ارتكبها قبل أو أثناء توليه الحكم. فالإعفاء هنا هو إعفاء مطلق من الخضوع للقانون أو القضاء الجنائي. وكل ما تستطيع الدول أن تفعله إذا ما ارتكب رئيس دولة أجنبية مثل هذه الجرائم هو أن تطلب منه مغادرة إقليمها. ويلاحظ أن الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول وعدم خضوعهم للقضاء الجنائي في الدول الأجنبية يجب ألا تختلط بأمر آخر، وهو المسؤولية الجنائية لرؤساء الدول عما يرتكبونه من جرائم دولية، مثل جرائم الحرب وجرائم إبادة الجنس البشري وجرائم التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وهو الأمر الذي بدأ يظهر في القانون الدولي العام بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تأكد بصورة عملية في محاكمات نورمبرغ وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية([9]).
وعليه فإن حصانة رؤساء الدول الأجنبية التي تقضي بعدم خضوعهم لاختصاص المحاكم الجنائية الأجنبية لا تشمل حالات انتهاكهم لقواعد القانون الدولي العام وارتكابهم لجرائم ضد الإنسانية وهو ما سنفصله لاحقاً.
  ثانياً: الحصانة من القانون والقضاء المدنيين
ينبغي لنا هنا أن نفرق بين الأعمال الرسمية والأعمال الخاصة للمسؤول، فإذا كان أساس المسؤولية المدنية للحاكم هي أعمال أتاها بصفته الرسمية، فإن هذه الأعمال تنسب إلى دولته وليس إلى شخصه، والدولة لا تسأل إعمالاً لحصانتها القضائية([10]). وإذا قام رئيس الدولة، في نطاق العلاقات الخارجية، بأعمال مدنية، كقيامه بالتوقيع على معاهدات تجارية سببت أضراراً للمستثمرين، أو إصدار قرار سبب أضراراً اقتصادية، فإن هذه الأعمال لا يمكن أن تخضع لرقابة ما من جانب المحاكم الأجنبية. وهكذا فإن الحصانة من القضاء المدني لرؤساء الدول لا تثار إلا بالنسبة لأعمالهم الخاصة. ولذلك ينبغي لنا البحث عن معيار للتفرقة بين الأعمال الرسمية للحاكم التي لا يسأل عنها بسبب حصانته المدنية والأعمال الخاصة التي تحجب فيها الحصانة.
المطلب الثالث: معيار التفرقة بين الأعمال الرسمية والأعمال الخاصة للحاكم
          ذهب جانب من الفقه، يؤيده ما جرى عليه العمل في بعض الدول مثل إنجلترا وأمريكا، إلى القول بعدم جدوى التفرقة بين النوعين، لأنه، إضافة إلى صعوبتها، يجب إعفاء الحاكم من الخضوع للقضاء عموماً بالنسبة إلى جميع أعماله العامة والخاصة، وذلك لعدم إمكان الفصل بين صفته الشخصية وصفته الرسمية([11]).
          وذهب جانب ثانٍ إلى القول بأن الأعمال الرسمية هي الأعمال التي يأتيها الحاكم وهو خارج دولته، أي حينما يكون في إقليم دولة أجنبية وطيلة فترة وجوده فيها، فلا يسأل عن هذه الأعمال ولا يحاكم مدنياً. ولكنها تصبح أعمالاً خاصة يسأل عنها بمجرد مغادرته إقليم الدولة. ويؤخذ على هذا المعيار أنه يتناقض مع نفسه لأنه يجعل كل تصرفات الرئيس في الخارج رسمية ما دام هو موجوداً في إقليم الدولة التي يكون قد ذهب إليها في زيارة خاصة للسياحة أو للعلاج أو لاستطلاع أرصدته النقدية الشخصية. ثم تنقلب كل هذه الأعمال، حتى الرسمية منها، إلى خاصة بمجرد مغادرته الإقليم، فيسأل عنها. ويبرر البعض هذا الرأي بالقول بأن الحصانة تسري في الحالة الأولى لأن علتها تعتبر قائمة، وهي الاهتمام برئيس الدولة وتوفير الاستقلال له، وتفادي الظروف المختلفة التي يقصد من ورائها النيل من كرامة الدولة الأجنبية وسمعتها عن طريق إثارة الشكوك حول رئيسها. أما في حالة رفع الدعوى المدنية بعد سفر الرئيس فلا يحتج بالحصانة لأنها لا تمس سيادة الدولة وكرامتها. ويستند هذا الرأي إلى التعامل الدولي الذي يظهر منه أن المحاكم لا تعترف باختصاصها بالنظر في قضايا مدنية ضد رؤساء الدول، إلا إذا كان هؤلاء غير موجودين وقت رفع الدعوى، ويمكننا هنا أن نتساءل عن كيفية انقلاب أعمال الحكام إلى خاصة بمجرد مغادرتهم الإقليم، فهل تنقلب تلك الأعمال إلى رسمية إذا عاد الحاكم إلى زيارة الدولة ذاتها مرة أخرى؟ وما مصير الدعوى التي تم رفعها؟ هل تلغى بمجرد هذه العودة؟
المطلب الرابع: الفرق بين رؤساء الدول ورؤساء الحكومات من ناحية الحصانات كحكام
         يشمل لفظ الحاكم رئيس الدولة في الأنظمة الرئاسية، حيث يحكم ويسود، ورئيس الوزراء في الأنظمة البرلمانية، حيث يحكم ولا يسود. ويتمتع رئيس الدولة، أياً يكن نظام حكمه رئاسياً أو برلمانياً، ملكياً أو جمهورياً، بالحصانات والامتيازات الدولية، ومثله رئيس الوزراء. ومع ذلك فهناك بعض الفروق بين الرئيسين من ناحية الحصانة:
1-  تختلف مراسم استقبال رئيس مجلس الوزراء عن استقبال رئيس الدولة، فعلى الرغم من أنه يمثل أعلى سلطة في دولته، فلا يستقبله رئيس الدولة التي يزورها استقبالاً رسمياً كتلك التي ترتبها إدارة العلاقات والمراسم لرؤساء الدول. وفي ترتيب الأسبقية في الاستقبال في المحافل الدولية ومؤتمرات القمة واجتماعات المنظمات الدولية، وعند وجود رئيس وزراء مع رئيس دولة، فإن رئيس الدولة هو الذي يتقدم دائماً في مراسم الاستقبال.
2-  لا يملك رئيس الحكومة حصانة تشريعية تحميه من الاعتداء عليه من وسائل الإعلام.
(فالمادة 292) من قانون العقوبات اللبناني، تعاقب بالحبس والغرامة من يحقر رئيس دولة أجنبية أو وزراءها أو ممثلها السياسي في لبنان، و(المادة 181) من قانون العقوبات المصري، مثلاً، تقتصر على رؤساء الدول ولا تغطي رؤساء الوزراء، وتعاقب بالحبس كل من أساء في وسائل الإعلام إلى سمعة ملك أو رئيس دولة.
3-  عملاً بمبدأ المسؤولية الوزارية فإن رئيس الوزراء يخضع للمسؤولية بالتضامن مع أعضاء وزارته. ويملك البرلمان سحب الثقة من الحكومة. مما يترتب عليه حل الحكومة. أما رئيس الدولة فذاته مصونة لا تمس، ولا يترتب على سحب الثقة من الحكومة زوال الرئيس بل زوال الحكومة. بل يملك رئيس الدولة، في العديد من أنظمة الحكم، حل البرلمان.
ونشير إلى أن القانون الدولي يمنح نظاماً مميزاً لثلاث فئات من المسؤولين السياسيين، وهم رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية([12]).
وتزول حصانات رئيس الدولة بانتهاء صفته، بإستقالته أو بتنازله عن العرش إن كان ملكاً. وليس هناك ما يمنع الدولة من قبول استمرار رئيس دولة أجنبية يوجد على أرضها في التمتع بحصاناته وامتيازاته السابقة بعد زوال صفته الرسمية، وذلك من باب المجاملة، كما فعلت مصر مع الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري بعد خلعه وقلب نظام حكمه على يد الجنرال سوار الذهب عام 1984([13]). وقد رفضت السلطات المصرية تسليم النميري إلى السلطات السودانية، ومنحته بعض الامتيازات على سبيل المجاملة. وهذا أيضاً ما فعلته السعودية مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.
       ولكن إذا كان الرؤساء السابقون من عداد مجرمي الحرب فلا يجوز إيواؤهم ومنحهم حق اللجوء السياسي، بل يجب تسليمهم ومحاكمتهم عما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية.

المطلب الخامس: حرمان الحاكم من الحصانات
       يتمتع الحكام، سواء كانوا رؤساء دول أو رؤساء وزارات، بالحصانات والامتيازات القانونية بصفتهم الرسمية وليس بصفتهم الشخصية. وبالتالي إذا زالت صفتهم الرسمية زالت معها ما يتمتعون به من حصانات وامتيازات دولية، وعوملوا معاملة الأفراد العاديين. ولكن قد تزول حصاناتهم أثناء توليهم الحكم، وذلك إذا ما ارتكبوا جرائم حرب.
وقبل أن نتناول ذلك علينا تبيان بداية تمتع الحكام بالحصانات والامتيازات الدولية حتى نتبين متى تنتهي ومتى يحرموا منها، وهل يسألون عما ارتكبوه من جرائم قبل توليهم الحكم وأثناء مباشرتهم مهام منصبهم؟ أم أن محاكمتهم تؤجل لحين انتهاء فترة رئاستهم، أم أن شغلهم لمنصب الحاكم يمحو كل جرائمهم وخطاياهم السابقة.
       إن الحكام يتمتعون بالحصانات والامتيازات الدولية منذ توليهم مهام مناصبهم رسمياً، وتستمر هذه الحصانات والامتيازات ملازمة لرئيس الدولة طالما استمر في منصبه وتزول عنه بمجرد زوال هذا المنصب لأي سبب كان.
       ويعتبر الحاكم مباشراً لصفته الرسمية بمجرد إعلان فوزه في الانتخابات أو بمجرد تعيينه أو تسميته من قبل المراجع الصالحة، ولو لم يزاول مهام منصبه لوجود فترة انتقالية ينهي فيها سلفه أعماله وتنتهي فيها إجراءات تولي الحاكم الجديد مقاليد الحكم التي تبدأ رسمياً بأدائه اليمين الدستورية أمام البرلمان، سواء كان مجلس نواب أو مجلس أمة، أي أنه يتمتع بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية قبل أداء اليمين الدستورية ما دامت قد تمت تسميته بالانتخابات أو بموجب الإجراءات التي ينص عليها الدستور في تسمية الحاكم، وخاصة في الأنظمة التي تقوم على توريث الحكم.
       وعلى ذلك يتمتع الحاكم بحصاناته وامتيازاته الدولية بغض النظر عن بدء مباشرته مهامه الرسمية ما دام قد تم إعلانه كحاكم للبلاد. وهو يتمتع بها خلال الفترة التي تسبق أداء اليمين، وإن كان لم يمثل بعد الدولة بصورة رسمية كحاكم للبلاد. ويظل يتمتع بهذه الصفة الحاكم المنتهية ولايته الذي يستمر هو الآخر بصفته الرسمية وحصاناته حتى تولي الحاكم المنتخب مقاليد الحكم واستكمال الإجراءات الدستورية التي تنتهي بأداء اليمين الدستورية. وعندها تزول حصانات وامتيازات السلف ويعامل كفرد عادي، وإن منحته الدول بعض الحصانات والامتيازات، على سبيل المجاملة.
        فالحصانة لم تعد سداً منيعاً يحمي الرؤساء والحكام من العقاب عند ارتكابهم جرائم دولية.... ([14])، وعلى وجه الخصوص جرائم الحرب وجرائم إبادة الجنس البشري وجرائم التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي بدأ يهتم به القانون الدولي العام، والقانون الدولي الجنائي، لأنه يشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الآمرة، والتي لا يفلت من يخالفها من العقاب، أياً يكن مرتكبوها، سواء كانوا أفراداً عاديين أم رؤساء دول.


                                                              المستشار الدكتور ناجي سابق
                                                             خبير في القانون الدولي الجنائي





([1]) ويعترف بالحصانة كذلك الدستور الفرنسي الصادر عام 1958، لاسيما (المادة 68) منه التي تكفل حصانة مطلقة لرئيس الجمهورية فيما يتصل بالأعمال التي يقوم بها أثناء أدائه واجبه، إلا في حالة الخيانة العظمى وفقاً لآليات محددة. ومثلها (المادة 88) من الدستور البلجيكي، و(المادة 85) من الدستور المصري.
([2]) علي صادق أبو هيف، المجتمع الإسلامي وأصول الحكم، دار النهضة العربية، القاهرة، ص514.
([3]) لقد أخلت ألمانيا في عهد هتلر بهذه الحصانة، فقام هتلر بتحديد إقامة رئيس تشيكوسلوفاكيا، الدكتور هاشا، وتم حجزه في قصره ثم حرمانه من الطعام والخدمات بالرغم من شيخوخته ومرضه، مما أكرهه على التوقيع على معاهدة 15 مارس 1939 التي فرضت الحماية الألمانية على إقليمي بوهيميا ومورافيا. وقد تم إلغاء هذه المعاهدة بعد الحرب العالمية الثانية بسبب هذا الإكراه الذي لا يليق بما يتمتع به الحكام من حصانة دبلوماسية. راجع كتاب:
Dominique Carreau, Droit International, Ed. Pedone, Paris, 1984, p 127.

([4]) اعتبرت محكمة العدل الدولية أن مذكرة التوقيف الصادرة من القاضي البلجيكي (داميان فاندر ميرش) غير شرعية لأنها تمس الحصانة التي يمنحها القانون الدولي لوزير الخارجية، ولأن الهدف منها ليس حماية شخصه بل أداء الوظيفة بحرية.
راجع موقع محكمة العدل الدولية: www.icj-cij.org/docket/files/121/8125.pdf.

([5]) صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1985، ص 967.
([6]) راجع مواد قانون العقوبات اللبناني (15 و 16 و 17 و 18).
([7]) هناك مفهومان متعارضان لمسألة الحصانة، نظرية الحصانة المطلقة ونظرية الحصانة المقيدة.
   راجع عادل ماجد، المحكمة الجنائية الدولية والسيادة الوطنية، مركز الدراسات السياسية، القاهرة، 2001، ص 31.
([8]) سوسن أحمد عزيزة، غياب الحصانة في الجرائم الدولية، رسالة ماجستير نوقشت في كلية الحقوق، في جامعة بيروت العربية، في عام 2011، ص61.
([9]) عبد العزيز سرحان، مبادئ القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1980، ص 429.
([10]) إبراهيم العناني، القانون الدولي العام، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2005 ، ص 429.
([11]) علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1987، ص 45.
([12]) أحمد أبو الوفا، الوسيط في القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص 415.
([13]) محمد الخشن، الوضع القانوني لرئيس الدولة في القانون الدولي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2005، ص330.
([14]) محمد المجذوب، الوسيط في القانون الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2012، ص 308.