كود ذكر المصدر

الراديو

...

كود مشاركة المواضيع في الفيس وتويتر

اخر الاخبار

اترك رسالتك

تحديث

.

.

.

.

المحاكم القنصلية فى القرن 18 وقضايا التحكيم ـ المستشارة / أميرة فكري



المحاكم القنصلية فى القرن 18 وقضايا التحكيم




بقلم المستشارة / أميرة فكري
محكم دولي فئة ب
مستشاره علاقات دبلوماسية ودوليه

 لقد انتشرت المحاكم القنصلية فى مصر فى القرنين الـ18 والـ19 وإبان عصر الخديوى اسماعيل كانت هذه المحاكم قد تغولت وبالغت فى حماية رعايا بلدها من المستثمرين الأجانب فى مصر..وكان الغرض منها تشجيع المستثمرين على استثمار أموالهم، واتفق حينئذ على حماية هذه الأموال من خلال محكمة تقام فى مصر وتكون تابعة لبلد المستثمر ويشرف عليها القنصل وتطبق أحكامها فى مصر وكأنها محكمة وطنية ولا تستأنف أحكامها إلا فى البلد الأصلى ولذلك عرفت هذه المحاكم باسم المحاكم القنصلية...لدرجة أنها نفذت أحكاماً على الخزانة المصرية وصادرت بعض ممتلكات الخديوى اسماعيل شخصياً وحاكم مصر حينئذ وأصبحت تمثل خطراً على النظام القضائى والمالى فى مصر. وقبيل عام 1875 أرسل الخديوى اسماعيل وزيره "نوبار باشا" إلى اوروبا حيث قام بإلغاء كل اتفاقيات المحاكم القنصلية وتم انشاء القضاء المختلط  كبديل لهذه المحاكم وضم القضاء المختلط عناصر أجنبية لضمان حقوق المستثمرين أمام القضاء المصرى حال وجود مشاكل مع المستثمرين. الغرب لم يطق صبراً على إلغاء المحاكم القنصلية إذ عادت بعد 90 عاماً فى ثوب جديد أقوى وأشد سبيلاً تحت مسمى مركز واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار: فى شهر مارس عام 1965 وبرعاية البنك الدولى للإنشاء والتعمير تم توقيع اتفاقية تأسيس مركز واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطنى الدول الأخرى والمعروف باسم "ICSID" وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ فى عام 1966 بعدما صدقت عليها الدولة العشرون. وفى عام 2002 بلغ عدد الدول المنضمة إلى هذه الاتفاقية 136 دولة. ووفقاً لنصوص هذه الاتفاقية فإن المركز يختص بالنظر فى المنازعات التى ترفع من احدى رعايا دولة متعاقدة ضد دولة أخرى متعاقدة وذلك يعنى أنه لا يجوز أن ترفع دعوى من دولة ضد مستثمر وإنما تقبل فقط الدعاوى التى يرفعها المستثمر ضد الدولة، ونظمت قواعد واجراءات ورسوم التحكيم أمام هذا المركز وفقاً لاتفاقية تأسيس المركز (1965) وكذلك وفقاً للقواعد واللوائح المعدلة التى قررها مجلس إدارة المركز والتى تعتبر نافذة منذ 2003. الواقع أن التحكيم الدولى وفيما يتعلق بمنازعات الاستثمار يقوم بتطبيق ما يعرف بقواعد قانون الاستثمار الدولى ونستهدى فى هذا الشأن بالمصادر التى ذكرتها المادة "38" من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية وهي: الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التى تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة، العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال، مبادئ القانون العامة التى أقرتها الأمم المتمدنة وأحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين فى القانون العام فى مختلف الأمم. وانه لفي الواقع قد جرت المحاكم على تطبيق اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار سواء كانت اتفاقيات جماعية أو اتفاقيات ثنائية وذلك يعنى أنه إذا كان هناك مستثمر بريطانى يرفع قضية ضد جمهورية مصر العربية فإن اتفاقية حماية الاستثمار الموقعة بين مصر وبريطانيا تكون واجبة التطبيق على النزاع باعتبارها اتفاقاً دولياً خاصاً يحكمها، وعلى سبيل المثال إذا قامت هذه الاتفاقية بتعريف المستثمر على وجه محدد ودون توسع فى مفهومه فإن هذا المفهوم الضيق هو الذى تطبقه المحكمة وفى هذه الحالة إذا لم تتوافر فى هذا المستثمر الشروط المنصوص عليها فى هذه الاتفاقية باعتباره مستثمراً فإن المحكمة ترفض دعواه وإذا حددت الاتفاقية التزامات الدولة المتلقية لرأس المال فى مجموعة من الالتزامات القانونية فإن مخالفة أى من هذه الالتزامات يترتب عليها الحكم بمسئولية الدولة وبالتالى خسارة القضية. ومن ناحية واقعية فإن المتأمل للاتفاقيات الثنائية التى وقعتها جمهورية مصر العربية مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يجد أنها ليست فى صالح مصر على الاطلاق لأنها تضع على كاهل الدولة مجموعة من الالتزامات القانونية قد لا تستطيع الدول النامية أن تنفذها نتيجة تخلف الجهاز الإدارى وغياب قيم العمل التى يتطلبها تنفيذ هذا النوع من الاتفاقيات أو الظروف السياسية التى تمر بها الدولة أو الجهل حتى بوجود مثل هذه الاتفاقيات وبأنها ملزمة على الدولة. ومن الأمثلة المعيبة فى هذه الاتفاقيات أنها تجعل الدولة مسئولة فى حالات الإضراب والشغب والاضطرابات الأهلية إذا وقع أى ضرر للمستثمر، كما أنها تعتبر قيام السلطات القضائية فى الدولة بفسخ العقد الذى أبرم مع المستثمر إنما هو نوع من التأميم بصرف النظر أن المحكمة قد تراها قانونية ومع ذلك فإن مثل هذه الاتفاقيات الثنائية جرت على اعتبار هذه الأحكام القضائية نوعاً من التأميم يستوجب التعويض الفورى للمستثمر ولا يتساهل فى ذلك قضاء التحكيم الدولى حتى لو كان توقيع العقد مشوباً بالفساد إذ يعتبر أن الدولة هى التى عينت المسئول الذى وقع على عقد الخصخصة وبالتالى لا يحق للدولة أن تتنصل من هذه المسئولية. ولا شك ان القاضى المصرى حين ينظر قضية فسخ عقد أو بطلان عقد خصخصة مشوب بالفساد فإنه يكون واقعاً بين المطرقة والسندان لأنه إذا حكم بفسخ العقد أو بطلانه سوف ينظر إلى هذا القرار من القضاء الدولى باعتباره تأميماً يستوجب التعويض الفورى ، أما إذا حكم برفض الدعوى فإن هذا الحكم قد ينظر إليه من أفراد الشعب باعتباره تأييداً للفساد. ولعل صياغة هذه الاتفاقيات الثنائية وطريقة تفسيرها فى المحاكم هى من أهم الأسباب التى تؤدى إلى خسارة مصر أمام هيئات التحكيم.